الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وفي
المذكورة استقر أرغون الأزقي الأستادار في نيابة غزة عوضًا عن ألطنبغا البشتكي. وفي الشهر أيضًا استقر آقبغا الأحمدي المعروف بالجلب لالا السلطان الملك الأشرف عوضًا عن أرغون الأحمدي بحكم نفيه إلى الشام لأمر اقتضى ذلك ونفي معه تمربغا العمري. ثم في آخر الشهر المذكور أمسك الأتابك الأمير يلبغا الطواشي سابق الدين مثقالًا الآنوكي مقدم المماليك السلطانية وضربه داخل القصر بقلعة الجبل ستمائة عصاة ونفاه إلى أسوان - وسببه ظهور كذبه له - وولى مكانه مختار الدمنهوري المعروف بشاذروان وكان مقدم الأوجاقية بباب السلسلة. كل ذلك والعمل في المراكب مستمر إلى أن كملت عمارة المراكب من الغربان والطرائد لحمل الغزاة والخيول. وكانوا نحو مائة غراب وطريدة عمرت في أقل من سنة مع عدم الأخشاب والأصناف يوم ذاك. وبينما الناس في ذلك قتل يلبغا العمري بيد مماليكه في واقعة كانت بينهم. وخبر ذلك أنه لما كان في مستهل شهر ربيع الآخر نزل السلطان من قلعة الجبل وعدى إلى بر الجيزة ليتوجه إلى الصيد بالبحيرة بعد أن ألزم الأمراء أن يجعلوا - في الشواني التي نجز عملها برسم الغزاة - العدد والسلاح والرجال على هيئة القتال لينظر السلطان والناس ذلك. فامتثلوا الأمراء المرسوم الشريف وأشحنوا المراكب العدد والسلاح والرجال الملبسة وضربوا الطبلخاناه بها وصارت في أبهى زي ولعبوا بها في البحر قدام السلطان والأتابك يلبغا. وخرج الناس للتفرج من كل فج وكان يوم من الأيام المشهودة الذي لم ير مثله في سالف الأعصار. ثم سار السلطان والأتابك يلبغا بالعساكر من بر الجيزة يريدون البحيرة حتى نزلوا في ليلة الأربعاء سادس شهر ربيع الآخر من ستة ثمان وستين وسبعمائة بالطرانة وباتوا بها وكانت مماليك يلبغا قد نفرت قلوبهم منه لكثرة ظلمه وعسفه وتنوعه في العذاب لهم على أدنى جرم حتى إنه كان إذا غضب على مملوك ربما قطع لسانه. فاتفق جماعة من مماليك يلبغا تلك الليلة على قتله من غير أن يعلموا الملك الأشرف هذا بشيء من ذلك وركبوا عليه نصف الليل ورؤوسهم من الأمراء: آقبغا الأحمدي الجلب وأسندمر الناصري وقجماس الطازي وتغري برمش العلائي وآقبغا جاركس أمير سلاح وقرابغا الصرغتمشي في جماعة من أعيان اليلبغاوية. ولبسوا آلة الحرب وكبسوا في الليل على يلبغا بخيمته بغتة وأرادوا قتله فأحس بهم قبل وصولهم إليه فركب فرس النوبة بخواصه من مماليكه وهرب تحت الليل وعدى النيل إلى القاهرة ومنع سائر المراكب أن يعدوا بأحد. واجتمع عنده من الأمراء طيبغا حاجب الحجاب وأينبك البدري أمير آخور وجماعة الأمراء المقيمين بالقاهرة. وأما مماليك يلبغا فإنهم لما علموا بأن أستاذهم نجا بنفسه وهرب اشتد تخوفهم من أنه إذا ظفر بهم بعد ذلك لا يبقي منهم أحدًا. فاجتمعوا الجميع بمن انضاف إليهم من الأمراء وغيرهم وجاؤوا إلى الملك الأشرف شعبان - تغمده الله برحمته - وهو بمخيمه أيضًا بمنزله بالطرانة وكلموه في موافقتهم على قتال يلبغا فامتنع قليلًا ثم أجاب لما في نفسه من الحزازة من حجر يلبغا عليه وعدم تصرفه في المملكة. وركب السلطان بمماليك يلبغا وخاصكيته فأخذوه وعادوا به إلى جهة القاهرة وقد اجتمع عليه خلائق من مماليك يلبغا وعساكر مصر وساروا حتى وصلوا إلى ساحل النيل ببولاق التكروري تجاه بولاق والجزيرة الوسطى. فأقام الملك الأشرف ببولاق التكروري يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة فلم يجدوا مراكب يعدون فيها. وأما يلبغا فإنه لما علم أن الملك الأشرف طاوع مماليكه وقربهم أنزل من قلعة الجبل سيدي آنوك ابن الملك الأمجد حسين أخي الملك الأشرف شعبان وسلطنه ولقبه بالملك المنصور وذلك بمخيمه بجزيرة أروى المعروفة بالجزيرة الوسطانية تجاه بولاق التكروري حيث الملك الأشرف نازل بمماليك يلبغا بالبر الشرقي والأشرف بالبر الغربي فسمته العوام سلطان الجزيرة. ثم في يوم الجمعة حضر عند الأتابك يلبغا الأمير طغيتمر النظامي والأمير أرغون ططر فإنهما كانا يتصيدان بالعباسة وانضافا بمن معهما إلى يلبغا فقوي أمره بهما. وعدى إليه أيضا جماعة من عند الملك الأشرف وهم: الأمير قرابغا البدري والأمير يعقوب شاه والأمير بيبغا العلائي الدوادار والأمير خليل بن قوصون وجماعة من مماليك يلبغا الذين أمرهم مثل: آقبغا الجوهري وكمشبغا الحموي ويلبغا شقير في آخرين. واستمر الأتابك يلبغا وآنوك بجزيرة الوسطى والملك الأشرف ومماليك يلبغا ببولاق التكروري إلى أن حضر إلى الأشرف شخص يعرف بمحمد ابن بنت لبطة رئيس شواني السلطان وجهز للسلطان من الغربان التي عمرها برسم الغزاة نحو ثلاثين غرابًا برجالها وكسر بروقها وجعلها مثل الفلاة لأجل التعدية. فنزل فيها جماعة من الأمراء ومن مماليك يلبغا ليعدوا فيها إلى الجزيرة فرمى عليهم يلبغا بمكاحل النفط وصار هؤلاء يرمون على يلبغا بالسهام فيردونهم على أعقابهم. وأخذ يلبغا ومن معه يرمون أيضًا النفط والنشاب والأشرفية لا يلتفتون إلى ذلك بل يزيدون في سب يلبغا ولعنه وقتاله. وأقاموا على ذلك إلى عصر يوم السبت وقد قوي أمر الملك الأشرف وضعف أمر يلبغا. ثم اتفق رأي عساكر الملك الأشرف على تعدية الملك الأشرف من الوراق فعدى وقت العصر من الوراق إلى جزيرة الفيل وتتابعته عساكره. فلما صاروا الجميع في بر القاهرة وبلغ ذلك يلبغا هرب الأمراء الذين كانوا مع يلبغا بأجمعهم وجاؤوا إلى الملك الأشرف وقبلو الأرض بين يديه. فلما رأى يلبغا ذلك رجع إلى جهة القاهرة ووقف بسوق الخيل من تحت قلعة الجبل ولم يبق معه غير طيبغا حاجب الحجاب الذي كان أولًا أستاداره. فوقف يلبغا ساعة ورأى أمره في إدبار فنزل عن فرسه بسوق الخيل تجاه باب الميدان وصلى العصر وحل سيفه وأعطاه للأمير طيبغا الحاجب. ثم نزل وقصد بيته بالكبش فرجمته العوام من رأس سويقة منعم إلى أن وصل حيث اتجه. وسار الملك الأشرف شعبان بعساكره حتى طلع إلى قلعة الجبل في آخر نهار السبت المذكور. وأرسل جماعة من الأمراء إلى يلبغا فأخذوه من بيته ومعه طيبغا الحاجب وطلعوا به إلى القلعة بعد المغرب فسجن بها إلى بعد عشاء الآخرة من اليوم المذكور. فلما أذن للعشاء جاء جماعة من مماليك يلبغا مع بعض الأمراء وأخذوا يلبغا من سجنه وأنزلوه من القلعة. فلما صار بحدرة القلعة أحضروا له فرسًا ليركبه فلما أراد الركوب ضربه مملوك من مماليكه يسمى قراتمر فأرمى رأسه ثم نزلوا عليه بالسيوف حتى هبروه تهبيرًا وأخذوا رأسه وجعلوها في مشعل النار إلى أن انقطع الدم فلما رآه بعضهم أنكره وقال: أخفيتموه وهذه رأس غيره فرفعوه من المشعل ومسحوه ليعرفوه أنه رأس يلبغا بسلعة كانت خلف أذنه فعند ذلك تحقق كل أحد بقتله وأخذوا جثته فغيبوها بين العروستين. فجاء الأمير طشتمر الدوادار فأخذ الرأس منهم في الليل واستقصى على الجثة حتى أخذها وحط الرأس على الجثة وغسلها وكفنها وصلى عليه في الليل ودفنه بتربته التي أنشأها بالصحراء بالقرب من تربة خوند طغاى أم آنوك زوجة الناصر محمد ابن قلاوون. وفيه يقول بعض الشعراء مخلع البسيط: بدا شقا يلبغا وعدت عداه في سفنه إليه والكبش لم يفده وأضحت تنوح غربانه عليه قلت: لا جرم أن الله سبحانه وتعالى عامل يلبغا هذا من جنس فعله بأستاذه الملك الناصر حسن فسلط عليه مماليكه فقتلوه كما قتل هو أستاذه الناصر حسنًا. فالقصاص قريب والجزاء من جنس العمل. ولما أصبح نهار الأحد عاشر شهر ربيع الأخر وهو صبيحة ليلة قتل فيها يلبغا العمري الخاصكي المقدم ذكره وطلع جميع الأمراء إلى القلعة واستقر الأمير طغيتمر النظامي هو المتحدث في حل المملكة وعقدها ومعه آقبغا جلب الأحمدي وأسندمر الناصري وقجماس الطازي وقبضوا من الأمراء على تمربغا البدري ويعقوب شاه وبيبغا العلائي الدوادار وقيدوا وأرسلوا عشية النهار إلى الإسكندرية. ورسم للأمير خليل بن قوصون أن يلزم بيته بطالًا. وفي يوم الاثنين حادي عشرة استقر قشتمر المنصوري حاجب الحجاب عوضًا عن طيبغا العلائي. واستقر أيدمر الشامي دودارًا بإمرة مائة وتقدمة ألف وناظر الأحباس ولم يعلم قبله دوادار أمير مائة ومقدم ألف. ثم قبض على جماعة من الأمراء وهم: أزدمر العزي وآقبغا الجوهري وأرغون كتك العزي أيضًا وأرغون الأرغوني ويونس الرماح العمري وكمشبغا الحموي وأرسلوا الجميع في القيود إلى ثغر الإسكندرية فحبسوا بها. ثم استقر طيدمر البالسي أستادار العالية. ثم أخلع على قجماس الطازي واستقر أمير سلاح عوضًا عن طيدمر البالسي المنتقل إلى الأستادارية. وأنعم على قرابغا الصرغتمشي بتقدمة ألف دفعة واحدة من إمرة عشرة. ثم في العشرين من الشهر استقر أسنبغا القوصوني لالا السلطان عرضًا عن آقبغا جلب. واستقر قراتمر المحمدي خازندارًا عوضًا عن تلكتمر المحمدي. وحضر سابق الدين مثقال الآنوكي من قوص بطلب من السلطان وقبل الأرض ونزل إلى داره. وفي يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى قبض على فخر الدين ماجد بن قروينة وسلم لقرابغا الصرغتمشي ليستخلص منه الأموال واستقر عوضه في الوزارة الصاحب جمال الدين عبد الله بن تاج الدين موسى بن أبي شاكر وأضيف إليه نظر الخاص أيضًا وكان أولًا صاحب ديوان يلبغا. وفي سادس عشر جمادى الأولى أعيد الطواشي سابق الدين مثقال إلى تقدمة المماليك السلطانية وصرف الدمنهوري المعروف بشاذروان. وفي يوم الخميس سادس عشر رجب قبض على قرابغا الصرغتمشي. وعندما قبض على قرابغا المذكور ركب الأمير تغري برمش بالسلاح ومعه عدة من الأمراء والخاصكية. فرسم السلطان بركوب الأمراء والخاصكية فركبوا في الحال وقبضوا عليه وأمسكوا معه الأمير أينبك البدري وإسحاق الرجبي وقرابغا العزي ومقبل الرومي وأرسلوا إلى الإسكندرية. ثم أنعم السلطان على كل من قطلوبغا جركس وأقطاي بتقدمة ألف. ومن هذا الوقت أخذ أسندمر الناصري في التعاظم وانضمام الناس عليه. فاتفق جماعة من الأمراء العزية مع طغيتمر النظامي وآقبغا جلب على قبض أسندمر ودبروا عليه. إلى أن كانت ليلة الأحد سابع شهر شوال من سنة ثمان وستين المذكورة ركبوا نصف الليل. وضربوا الكوسات وأنزلوا الملك الأشرف إلى الإسطبل السلطاني وقصدوا مسك أسندمر الناصري وبعض مماليك يلبغا العمري الأشرار. وبلغ ذلك أسندمر فمكث في بيته إلى طلوع الشمس. ثم ركب من بيته بالكبش فإنه كان سكن فيه بعد قتل يلبغا وتوجه بمن معه إلى قبة النصر ومنها إلى القرافة إلى باب الدرفيل من وراء القلعة فلم يفطن به الأمراء إلا وهو تحت الطبلخاناه السلطانية من القلعة وكبس عليهم من الصوة فهرب أكثر الأمراء وكان غالبهم قد استخدم عنده جماعة من مماليك يلبغا. فلما رأى مماليك يلبغا أسندمر ومن معه من خشداشيتهم توجهوا إليهم وتركوا أمراءهم. ثم خرج إلى أسندمر آقبغا جلب وطردوا الحاجب ابن اخي آل ملك فقوي أسندمر بهم على الأمراء وصدمهم صدمة هائلة كسرهم فيها كسرة شنيعة وهربوا الجميع إلا ألجاي اليوسفي وأرغون ططر فإنهما ثبتا وقاتلا أسندمر وليس معهما غير سبعين فارسًا. فقاتلوا أسندمر وجماعته إلى قريب الظهر فلم يرجع إليهما أحد من أصحابهما فانكسرا وانتصر أسندمر الناصري عليهم وطلع إلى القلعة وقبل الأرض بين يدي الملك الأشرف شعبان فأخلع عليه الأشرف باستقراره أتابكا ومدبر المماليك كما كان يلبغا العمري الخاصكي. ثم قبض أسندمر على جماعة من الأمراء وقيدهم وأرسلوا إلى ثغر الإسكندرية فحبسوا بها وهم: ألجاي اليوسفي وطغيتمر النظامي وأيدمر الشامي وآقبغا جلب وقطلوبغا جركس وأقطاي وأرغون ططر وقجماس الطازي وجميع هؤلاء مقدمو ألوف. ثم قبض على جماعة من الأمراء الطبلخمانات وهم: طاجار من عوض ويلبغا شقير وقرابغا شاد الأحواش وقرابغا الأحمدي وقطلوبغا الشعباني وأيدمر الخطائي وتمراز الطازي وآسن الناصري وقراتمر المحمدي. ثم أصبح أسندمر في يوم حادي عشر شوال أنعم على جماعة من الأمراء واستقروا مقدمي ألوف بالديار المصرية وأصحاب وظائف فأخلع على أزدمر العزي واستقر أمير مائة ومقدم ألف وأمير سلاح واستقر جركتمر السيفي منجك أمير مائة ومقدم ألف وأمير مجلس واستقر ألطنبغا اليلبغاوي رأس نوبة النوب من إمرة عشرة دفعة واحدة واستقر قطلقتمر العلائي أمير جاندار واستقر سلطان شاه أمير مائة ومقدم ألف وحاجبًا ثانيًا. واستقر بيرم العزي دوادارًا بتقدمة ألف وكان جنديًا قبل ذلك فأنعم عليه بإقطاع طغيتمر النظامي ووظيفته وجميع موجوده ومماليكه وحواصله. وأنعم على خليل بن قوصون بتقدمة ألف وعلى قبق العزي بتقدمة ألف وعلى أرغون القشتمري بتقدمة ألف وعلى محمد بن طيطق العلائي بتقدمة ألف. ثم أنعم على جماعة بإمرة طبلخاناه وهم: بزلارالعمري وأرغون المحمدي الآنوكي الخازن وأرغون الأرغوني ومحمد بن طقبغا الماجاري وباكيش السيفي يلبغا وآقبغا آص الشيخوني وسودون الشيخوني وجلبان السعدي وكبك الضرغتمشي وإينال اليوسفي وكمشبغا الطازي وبكتمر العلمي وقماري الجمالي وأرسلان خجا ومبارك الطازي وتلكتمر الكشلاوي وأسنبغا العزي وقطلوبغا الحموي ومأمور القلمطاوي. ثم أنعم على جماعة بإمرة عشرات وهم: كزك الأرغوني وألطنبغا المحمودي وقرابغا الأحمدي - وهذا غير قرابغا الأحمدي الجلب - وحاجى ملك بن شادي وعلي بن باكيش ورجب بن خضر وطيطق الرماح. ثم خلع على جماعة واستقرت جوكندارية وهم: مبارك الطازي المقدم ذكره وقرمش الصرغتمشي وإينال اليوسفي. وأخلع على تلكتمر المحمدي واستقر خازندارًا على عادته وبهادر الجمالي شاد الدواوين عوضًا عن خليل بن عرام بحكم انتقال ابن عرام إلى نيابة الإسكندرية. واستقر أسندمر الزيني في نيابة طرابلس عوضًا عن اشقتمر المارديني وأمسك اشقتمر وحبس بالإسكندرية. واستقر طيبغا الطويل الناصري - رفيق يلبغا العمري الخاصكي المقدم ذكره - في نيابة حماة وكان بطالًا بالقدس في تاسع صفر فلم تطل مدته وقبض عليه منها في ذي القعدة واعتقل بالإسكندرية ثانيًا. وتولى نيابة حماة عمر شاه على عادته. واستقر بيبغا القوصوني أمير آخور كبيرًا عوضًا عن آقبغا الصفوي بحكم وفاته. وأرسل إلى الأمير منكلي بغا الشمسي نائب حلب خلعة الاستمرار. وقد كمل جامع منكلي بغا الذي أنشأه بحلب في هذه السنة بقنسرين. واستهلت سنة تسع وستين والملك الأشرف شعبان كالمحجور عليه مع أسندمر غير أن اسمه السلطان وخليفة الوقت المتوكل على الله وأسندمر الناصري أمير كبير أتابك العساكر ومدبر المملكة ونائب السلطنة مع أمير علي المارديني آلة يتعاطى الأحكام لا غير ونائب دمشق آقتمر عبد الغني ونائب حلب منكلي بغا الشمسي وهو يومئذ يخشى شره ونائب طرابلس منجك اليوسفي ونائب حماة عمر شاه صاحب القنطرة على الخليج خارج القاهرة ونائب صفد أرغون واستمر الأتابك أسندمر على ما هو عليه إلى يوم الجمعة سادس صفر اتفقت عليه مماليك يلبغا الأجلاب وركبوا معهم الأمراء وقت صلاة الجمعة ودخلوا على أسندمر الناصري وسألوه أن يمسك جماعة من الأمراء فمسك أزدمر العزي أمير سلاح وجركتمر المنجكي أمير مجلس وبيرم العزي الدوادار الكبير وبيبغا القوصوني والأمير آخور كبك الصرغتمشي الجوكندار. واستمرت المماليك لابسين السلاح وأصبحوا يوم السبت ومسكوا خليل بن قوصون ثم أطلقوه وانكسرت الفتنة إلى عشية النهار وهي ليلة الأحد وقالوا لأسندمر: نريد عزل الملك الأشرف وكان أسندمر مقهورًا معهم. وبلغ الخبر الملك الأشرف فأرسل في الحال إلى خليل بن قوصون فحضر وركب الملك الأشرف وركب ابن قوصون ومماليك الأشرف الجميع مع أستاذهم وكانوا نحو المائتين لا غير وكان الذين اجتمعوا من مماليك يلبغا فوق الألف وخمسمائة. وركب مع الملك الأشرف جماعة من الأمراء الكبار مثل أسنبغا ابن الأبو بكري وقشتمر المنصوري في آخرين وضربت الكوسات واجتمع على السلطان خلق كثير من العوام. ولما بلغ أسندمر الناصري ركوب الملك الأشرف أخذ جماعة من مماليك يلبغا وطلع من خلف القلعة كما فعل أولًا في واقعة آقبغا الجلب وتقدمت مماليك يلبغا وصدموا المماليك الأشرفية وتقاتلوا. وبينما هم في ذلك جاء أسندمر بمن معه من تحت الطبلخاناه كما فعل تلك المرة فعلم به الأشرفية والأمراء فمالوا عليه فكسروه أقبح كسرة وقرب أسندمر ثم أمسك وتمزقت المماليك اليلبغاوية. فلما جيء للأشرف بأسندمر وحضر بين يديه شفعت فيه الأمراء الكبار فأطلقه السلطان ورسم له أن يكون أتابكًا على عادته. ورسم له بالنزول إلى بيته بالكبش ورسم للأمير خليل بن قوصون أن يكون شريكه في الأتابكية. فنزل أسندمر إلى بيته ليلة الاثنين وأرسل السلطان معه الأمير خليل بن قوصون صفة الترسيم وهو شريكه في وظيفة الأتابكية ليحضره في بكرة نهار الاثنين. فلما نزلا إلى الكبش تحالفا وخامرا ثانيًا على السلطان. وأجتمع عند أسندمر وخليل بن قوصون في تلك الليلة جماعة كبيرة من مماليك يلبغا وصاروا مع أسندمر كما كانوا أولًا. وأصبحا يوم الاثنين وركبا إلى سوق الخيل. فركب السلطان بمن معه من الأمراء والمماليك الأشرفية وغيرهم فالتقوا معهم وقاتلوهم وكسروهم وقتلوا جماعة كبيرة من مماليك يلبغا. وهرب أسندمر وابن قوصون واشتغل مماليك السلطان والعوام بمسك مماليك يلبغا يمسكونهم ويحضرونهم عرايا مكشفي الرؤوس. وتوجه فرقة من السلطانية إلى أسندمر وابن قوصون فقبضوا عليهما وعلى ألطنبغا اليلبغاوي وجماعة أخر من الأمراء اليلبغاوية فقيدوا وأرسلوا إلى سجن الإسكندرية. هلال شعبان جهرًا لاح في صفر بالنصر حتى أرى عيدًا بشعبان وأهل كبش كأهل الفيل قد أخذوا رغمًا وما انتطحت في الكبش شاتان ثم جلس الملك الأشرف شعبان في الإيوان وبين يديه أكابر الأمراء ورسم بتسمير جماعة من مماليك يلبغا نحو المائة وتوسيطهم ونفى جماعة منهم إلى الشام وأخذ مال أسندمر وأنفق على مماليكه لكل واحد مائة دينار ولكل واحد من غير مماليكه خمسون دينارًا. ورسم للأمير يلبغا المنصوري باستقراره أتابك العساكر هو والأمير ملكتمر الخازندار وأنعم على كل منهما بتقدمة ألف. وأنعم على تلكتمر بن بركة بتقدمة ألف عوضًا عن خليل بن قوصون وكان ذلك في سادس عشر صفر. ثم أصبح السلطان من الغد في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر قبض على يلبغا المنصوري المذكور ورفيقه تلكتمر المحمدي لأنهما أرادا الإفراج عن مماليك يلبغا العمري وقصد يلبغا المنصوري أن يسكن بالكبش فمسكهما الملك الأشرف وأرسلهما إلى الإسكندرية. ثم أرسل السلطان بطلب الأمير منكلي بغا الشمسي نائب حلب إلى الديار المصرية فحضرها بعد مدة وأخلع عليه السلطان خلعة النيابة بديار مصر فأبى أن يكون نائبًا فأنعم عليه بتقدمة ألف وجعله أتابك العساكر وتولى نيابة حلب عوضه طيبغا الطويل وكان أخرجه من سجن الإسكندرية ثم زوج السلطان أخته للأمير منكلي بغا الشمسي المذكور فتزوجها وأولدها بنتا تزوجها الملك الظاهر برقوق وعاشت بعد الملك الظاهر إلى أن ماتت في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بقاعتها بخط الكعكين من القاهرة. ثم رسم الملك الأشرف أن يفرج عن طغيتمر النظامي وأيدمر الخطائي وألجاي اليوسفي وكانوا محبوسين بالإسكندرية فحضروا إلى بين يدي السلطان وقبلوا الأرض بين يديه. وخلع السلطان على بكتمر المؤمني واستقر أمير آخور كبيرًا بتقدمة ألف وهو صاحب المصلاة والسبيل بالرميلة. ثم رسم السلطان بإحضار الأمير آقتمر عبد الغني فلما وصل آقتمر إلى مصر أخلع عليه السلطان باستقراره حاجب الحجاب بالديار المصرية. وكان آقتمر هذا قد ولي نيابة السلطنة بالديار المصرية قبل نيابة الشام وتولى نيابة دمشق بعده بيدمر الخوارزمي قليلًا ثم عزل واستقر عوضه في نيابة دمشق منجك اليوسفي نائب طرابلس واستقر في نيابة طرابلس بعد منجك أيدمر الآنوكي. ثم أخلع السلطان على الأمير الأكز الكشلاوي باستقراره شاد الدواوين عوضًا عن بهادر الجمالي. ثم أفرج عن الأمير أرغون ططر وأخلع عليه واستقر أمير شكار بتقدمة ألف. ثم رسم بإحضار قطلوبغا الشعباني من الشام فحضر بعد مدة. ثم في ثامن عشر جمادى الآخرة استقر الأمير آقتمر الصاحبي دوادارًا عوضًا عن آقبغا بن عبد الله بإمرة طبلخاناه. واستقر طغيتمر العثماني شاد الشراب خاناه. واستقر بشتك العمري رأس نوبة ثانيًا. ثم أخلع الملك الأشرف في تاسع عشرين شهر رمضان على الأمير أرغون الأزقي باستقراره رأس نوبة كبيرًا عوضًا عن تلكتمر بن بركة واستقر تلكتمر المذكور أمير مجلس عوضًا عن طغيتمر النظامي. ثم استقر الأمير ألجاي اليوسفي أمير سلاح برانيًا عوضًا عن أزدمر العزي. واستقر آقبغا بن عبد الله دوادارًا كبيرًا بإمرة طبلخاناة. ثم استقر الأكز أستادارًا عوضًا عن ألطنبغا بحكم وفاته. وفي سابع شوال استقر الأمير عمر بن أرغون النائب في نيابة الكرك عوضًا عن ابن القشمري. واستقر طيدمر البالسي في نيابة الإسكندرية عوضًا عن صلاح الدين خليل بن عرام. واستقر خليل بن عرام حاجبا بثغر الإسكندرية. ثم استقر أيدمر الشيخي في نيابة حماة عوضًا عن عمر شاه وأخلع على شمس الدين ابن المقدسي باستقراره ناظر الخواص الشريفة بالقاهرة عوضًا عن ابن أبي شاكر في ثالث عشر ذي القعدة. واستقر العلامة سراج الدين عمر بن إسحاق الغزنوي الهندي الحنفي قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية بعد موت قاضي القضاة جمال الدين التركماني. واستقر الشيخ سراج عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني البلقيني الشافعي في قضاء دمشق عوضًا عن قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب السبكي فلم تطل مدة البلقيني في قضاء دمشق وعزل وأعيد تاج الدين السبكي. واستقر القاضي بدر الدين محمد ابن القاضي علاء الدين علي ابن القاضي محيي الدين يحيى بن فضل الله العمري في كتابة السر بالديار المصرية بعد وفاة والده. واستقر فتح الدين محمد بن الشهيد في كتابة سر دمشق عوضًا عن جمال الدين بن الأثير. ثم وقع الوباء بالديار المصرية حتى بلغت عدة الموتى في اليوم أكثر من ألف نفس وأقام نحو الأربعة أشهر وارتفع. وفي هذه السنة أيضًا وهي سنة تسع وستين وسبعمائة قصدت الفرنج مدينة طرابلس الشام في مائة وثلاثين مركبًا من الشواني والقراقير والغربان والطرائد وصحبتهم صاحب قبرس وهو المقدم ذكره عليهم وكان نائبها وأكثر عسكرها غائبين عنها. فاغتنمت الفرنج الفرصة وخرجوا من مراكبهم إلى الساحل فخرج لهم من طرابلس بقية عسكرها بجماعة من المسلمين فتراموا بالنبال ثم اقتتلوا أشد قتال. وتقهقر المسلمون ودخل المدينة طائفة من الفرنج فنهبوا بعض الأسواق. ثم إن المسلمين تلاحقوا وحصل بينهم وبين الفرنج وقائع عديدة استشهد فيها من المسلمين نحو أربعين نفرًا وقتل من الفرنج نحو الألف وألقى الله تعالى الرعب في قلوب الفرنج فرجعوا خائبين. وفي هذه السنة قوي أمر الملك الأشرف في السلطنة وصار تدبير ملكه إليه: يعزل ويولي من غير مشورة الأمراء وصار في الفلك من غير منازع ولا معاند وحسنت سيرته وأحبته الرعية إلى الغاية وصار يقصد المقاصد الجميلة مما سيأتي ذكره. ثم في أول جمادى الآخرة عزل الأشرف أسنبغا بن الأبو بكري عن نيابة حب بالأمير قشتمر المنصوري. ثم قبض السلطان على أرغون العجمي الساقي أحد المماليك السلطانية بسبب أنه سرق أحجارًا مثمنة من الخزانة السلطانية وباعها على الفرنج وفيها حجر يعرف بوجه الفرس فجاء به الفرنج إلى منجك اليوسفي نائب الشام فعرفه وأرسله إلى السلطان وأخبره بخبر أرغون العجمي وكيف باعه للفرنج فصفح السلطان عنه ونفاه إلى الشام. ثم في يوم السبت العشرين من شهر رمضان نفى السلطان الأمير آقتمر الصاحبي الدوادار الكبير إلى الشام لأمر وقع بينه وبين الأمير ألجاي اليوسفي. وفي تاسع عشر ذي القعدة أحضر الأمير بيدمر الخوارزمي المعزول عن نيابة الشام قبل تاريخه وأدخل إلى قاعة الصاحب بقلعة الجبل وطلب منه ثلاثمائة ألف دينار وكان متولي أمره علي بن محمد بن كلبك التركماني فعصر يوم الثلاثاء حادي عشرين ذي القعدة ثم أفرج عنه ونفي إلى طرابلس بعد أن أخذ منه مائة ألف دينار. ثم قدم الخبر على السلطان بقتل الأمير قشتمر المنصوري نائب حلب. وخبره أنه لما ولي نيابة حلب في جمادى الآخرة من هذه السنة وتوجه إلى حلب فلم يقم بها إلا يسيرًا وخرج منها وكبس أمير آل فضل بعربه بتل السلطان. فركب العرب وقاتلته فقتل في المعركة هو وولده محمد بن قشتمر. وكان الذي قتله حيار أمير آل فضل وولده نعير بن حيار وكان ذلك يوم الجمعة خامس عشر ذي الحجة. ولما بلغ الملك الأشرف ذلك عظم عليه وأرسل تقليدًا للأمير اشقتمر المارديني بنيابة حلب على يد الأمير قطلوبغا الشعباني وعزل حيارًا عن إمرة العرب وولاها لزامل. ثم أنعم الملك الأشرف في هذه السنة على ألوف بتقادم وطبلخانات وعشرات فممن أنعم عليهم بتقدمة ألف: الأمير بهادر الجمالي وبشتك العمري. وممن أنعم عليه بإمرة طبلخاناه: صراي الإدريسي وبيبغا القوصوني وأحمد بن اقتمر عبد الغني وأحمد بن قنغلي وخليل بن قماري الحموي وطغيتمر الحسيني وحسين بن الكوراني وأرغون شاه الأشرفي. وكان أمير الحاج في هذه السنة بهادر الجمالي. وحجت في هذه السنة أيضًا خوند بركة والدة السلطان الملك الأشرف صاحب الترجمة بتجمل زائد ورخت عظيم وبرك هائل وفي خدمتها من الأمراء الألوف: بشتك العمري وبهادر الجمالي أمير الحاج ومائة مملوك من المماليك السلطانية الخاصكية. وكان من جملة ما معها بحرب الحجاز كوسات وعصائب سلطانية وعدة محفات بأغطية زركش وعدة محاير كثيرة بأفخر زينة. وحمل معها أشياء كثيرة يطول الشرح في ذكرها من ذلك: قطر جمال عليها مزروع خضر وغير ذلك. وحجت وعادت إلى الديار المصرية بعد أن احتفل جميع أمراء الدولة إلى ملاقاتها. ولما وصلت إلى القلعة أثنت على بهادر الجمالي فأخلع السلطان عليه. ثم بعد مدة في يوم حادي عشرين المحرم من سنة إحدى وسبعين وسبعمائة أخلع السلطان على الأمير بهادر الجمالي واستقر به أمير آخور كبيرًا عوضًا عن الأمير بكتمر المؤمني بعد موته واستقر الأمير تلكتمر من بركة أستادارًا عوضًا عن بهادر الجمالي المذكور واستقر أرغون شاه الأشرفي أمير مجلس عوضًا عن تلكتمر المنتقل إلى الأستادارية ثم نقل أرغون شاه المذكور بعد مدة يسيرة من وظيفة أمير مجلس إلى وظيفة رأس نوبة النوب بعد موت بشتك العمري. واستقر أرغون الأحمدي اللالا أمير مجلس عوضًا عن أرغون شاه المذكور. ثم أنعم السلطان على الأمير طينال المارديني بتقدمة ألف وعلى علم دار أيضًا بتقدمة ألف واستقر أستادار العالية عوضًا
|